تبحث عن العلامة
لا تعترض طريقها
دعك من الشقوق والخرائب
لا تتبع انجما ضللت قبلك رعاة وعاشقين
فالعلامة تأتيك من حيث لا تحتسب
او يخطر لك على بال
الغزل عبر العصور
*
مر الغزل حاله حال الاغراض الاخرى بتغيرات كبيرة فبعد حضور ملموس في الجاهلية اختفى في الصدر الاسلامي الاول وعاد في زمن الامويين والعباسين ليشهد الغزل اشكالا لم تعهدها الجاهلية كونه جاء مبنيا على اغراض معينة فقد تقصد شعراء البلاط على اثراء الامراء بقصائد تميل الى الخروج من كنف العادات الاسلامية وسط تطاحن كبيرنابع من رفض حكم بني امية وبني العباس ومنه برزت اسماء شعرية طرحت مواضيعها السياسية ولايمكن نسيان قصائد دعبل الخزاعي الى ديك الجن حتى عصر البحتري وابن الرومي وهذا لايعني وجود حالات خارجة عن شعراء البلاط وشعراء الموقف السياسي ولا اريد التطرق الى ظاهرة شعر التغزل بالصبية او الغلمان وهو الامر الذي يعد احد وجوه تلك العصر الادبية لان الموضوع سيخرج من عنوانه ولكن الاشارات التي لها صلة بالاغراض تطرح هنا وبشكل موجز كي نقترب من العوامل التي ادت الى وصول الاغراض الى هذه المرحلة من التوسع حيث ظل الجدل السياسي والجدل الاجتماعي متواصلا حتى يومنا هذا ومن خلاله نبعت شعرية الموقف الفكري الذي اتخذه الشاعر فقلما نجد شاعرا دون موقف سياسي , والمراد هنا ان الغزل وصل الينا متأثرا بهذه الحقبة المتأزمة التي لم تخرج من دائرة السؤال المباشر والعلة في تواجده كما أشرت ان الكثير من الشعراء الان لم يتعاملوا مع الغزل سوى معاملة مجردة خالية من الحسية وفيها تفريط في وصف يبدو فاحشا ولكثرة استخدامه المشين اصبح ليس من السهل الوصول الى غزل مثل غزل الشريف الرضي بل جاء من وسط ترف فكري قد يسيء لصاحبه كما فعل بعض الشعراء حين كانت عناوين مجموعاتهم الشعرية تحمل اسماء تشير الى اسم العملية الجنسية او الاشارة اليها ولا يسعدني ذكر اسم هذه المجاميع ( موقف شخصي ) كما يقول البرعي وهو شاعر قديم:
*
وكم من سمىَّ ليس مثل سميه
صفاتاً ويُدعى باسمه فيجيب
*
الأمر هنا مرتبط بدائرة الشعر الكبيرة ولسنا من باب ادخال واخراج بقدر مايمكن اقحامه في داخل الصنف الشعري غرضا وقد يمر هذا التساؤل على البعض فيعتبر.
الشعر الحديث هو الذي فرض هذا النوع من الشعر والجواب كلا فنحن نجد الكثير من الشعر العربي القديم والحديث يضم هذا النوع من الغزل الفاحش الذي اصبح مطروحا بشكل كبير هذه الايام . ولكن هناك قصائد نثرية طرحت مناجاة رائعة وفيها غزل رائع يضم لوعة الفراق والنفي وهو شعر تفاعل مع واقعنا المعاش حيث يتعرض انسان هذه المنطقة الى التنكيل السياسي ويشرد بطريقة مهينة حيث يهرب بجلده تاركا اهله واحبته وكما قال غوستاف فون كرنباوم أما الصفات البارزة التي اتسم بها الشعر العربي بعد تطوره يمكن جمعها كالاتي تطور الشكل واتساع الاغراض...الخ وهذا الاتساع كون لنا قاعدة نقدية كبيرة والمهم هنا هو وضع الاغراض الاساسية تحت مجهر المطالعة حتى نخرج الى مغزى تطور الغرض الشعري الحديث ,وقصيدة النر التي اثبتت شرعيتها من خلال بزوغها الواضح صنعت هالتها وبريقها بفعل تصميم كتابها على الاستمرار وان تلك الحرب من دعاة المحافظة على القديم تآكلت بشكل ملحوظ فهي تستمر بوتيرة العصر وتنقل حيثيات العصر .
الحداثة احد أهم القضايا التي شغلت النقد بعد مسألة الانتحال التي اثارت جدلا واسعا إذن المسألة عبارة عن مواجهة مستعرة لوجود شيء ما حتى يتسنى لبعض العاطلين.
الكتابة أم أن المسالة لاتخلوا من كونها دوامة تقليدية يحدثها مروجي الفتن الادبية , وكان واضحا تطور الشعر غرضا من خلال الالية التي كتب فيها الشعر وتنوع موضوعاته بعد نومة طويلة للقديم حيث بقى في سبات اورث ثورة عليه والسياب حين وضح مستوى الركود بميله الخاص الى أدلجة الاسطورة عربيا وجعلها تتناغم مع الحسية الحاضرة متجاوزا الاف السنين فهو يقول ""أننا نعيش في عالم قاتم كالكابوس المرعب .. عالم لا شعر فيه " جازما، في الان نفسه ، بأن "ا التعبير المباشر عن اللاشعر (أي الواقع اليومي ) لن يكون شعرا" واعتبر "اللجوء إلى الخرافة الأسطورة" قدر الشعر وخياره الوحيد لأن "الأساطير والخرافات ماتزال تحتفظ بحرارتها لأنها ليست جزءا من هذا العالم " الاشارة الى التنوع في طرح العمل الحديث لم يكن قادما من الفراغ الذي احدثته التجربة القديمة وهي نتيجة طبيعية لكل عمل ولكل منتج والذي حدث الان من عملية تفكيك سيكون مصير قصيدة النثر لأن تعاقب الاجيال له دور كبير في عملية البقاء وهنا أذكر مقطعا ل سركون بولص وهو ياخذ دور الرحالة لينقل رؤيته :
*
الشعرية في داخل البيت الشعري
اصغي الي مائها في الطفولة كلما
هربت من صفوف مدرستي .
لأهيم علي وجهي في البراري..
حتي يرفع النهار وجهه المشغوف من بين البنايات
كأفعي ايقظها نداء مزمارمجهول ،
واسمع رجلاً يسعل في الخارج بقوة ويمضي
*
معاول قصيدة النثر:
*
اصبح التحليل المنطقي معدوما بعض الشيء واقصد به ليس هناك من يعطي الشيء اسبابه , فنرى التهكم واضحا فالتجربة لاتخلو من الثغرات كما اسلفت في (( معاول قصيدة النثر )) والحاجة للتحليل كونه يعتمد على المنهجية في تشريح النص , نعم ان مشكلة الشعر الحديث كبيرة كونه يرتبط احيانا بنتاجات تكتب على شكل خطابي والشعر عبارة عن موسيقى والحداثويون يعتمدون فكرة الكتابة للكتابة لا للشكل والالتزام الانف الذكر , وجاء الغرض الشعري متأثرا بهذا السياق كون الشعر الحديث ليس ركاما نثريا كما قالت نازك الملائكة بل هو نتاج شعري حديث قادم من ارض غير عربية او له جذور ليست عربية ولكنه موجود ولايمكن الغاءه والشاعر يُنَظِر دائما للنوع الذي يكتبه , وكلنا نعرف ان الشعر الذي وجد ه العراقيون والمصريون وغيرهم من القدماء كتب بطريقة الاناشيد اي ان بدايات الشعر موسيقية رجوعا الى عمليات التنقيب عن الحضارات حيث ان اسم الشعر لم يتغير كثيرا بل ظل على حاله واختلف بحسب المنطقة التي يذكر فيها , وكلمة شير الاشورية تعني الانشاد والغناء للالهة .
هذا يثبت ان الشعر لم يبدأ بالشكل الذي قراناه في المعلقات والعصور التي تلتها بل ان استخدام الشعر وطريقة كتابته كانت متأثرة بمناخها الجغرافي والاجتماعي , وهكذا نرى ان الشعر الذي ابتدأ باغراض دينية _ اذا صح التعبير _ وتطور حتى يصبح متشعب الاغراض وبحسب الاحتياج اليه . لايمكن ان يكون الغرض الشعري محافظا على صيغته الاولى ان لم يرتدي ثياب العصر الذي يوجد فيه . لذا تطورت صياغة الغرض لأن الحاجة عصرية , أي ان لكل عصر أدواته وأشيائه فلا يمكن القول ان الغرض الذي حافظ على بقائه على مدار عصور من الزمن لم يتأثر هو أيضا لان قصيدة الرثاء في الماضي لايمكن ان تكتب الان بروحية الماضي والا تفقد بريقها , ان لحداثة التجربة وشبابيتها الحق في الدفاع عن النوع الذي تخوض فيه بل لنا أن نرى النص الحديث له حضور قوي لوجود أرواح شعرية تنسج ابداعها بشيء من الحنكة والابداع .
منقوووول.....