الشاعر او الناظم انذاك توفرت لهم الاسباب التي جعلت اعمالهم تحظى بهذا القدر من الاهتمام فكان البيت الشعري متكاملا وشامخا حيث هذا الثراء الفني الذي يحتفي به الشاعر لان واقع ان يكون النص تحت المراقبة والنقد له تاثير فيكون الاهتمام بالبيت الشعري وتزويقه بالكثير من الاشكال الفنية كأن يعبأ بشيء من البلاغة وغيرها على عكس شعراء اليوم الذين يعانون من التغيب والكتابة مجانا والاهمال فنرى هذا التجاهل يبرز في عملية تقويض البيت الشعري الذي يبدو احيانا عبارة عن مفردتين او مفردة واحيانا القصيدة تخرج بثلاث مفردات كما يفعل بعضهم الان فخريطة البيت الشعري احد اهم اركانها هو الشاعر وحالته الوجودية ( وجهة نظر خاصة ) . الأمر الذي جعل بعض المقدمات في الشعر الحديث ماهي الا خروجا واضحا عن كل التجارب السابقة والوصف لاينتمي لوصف السابقين بل ورثاء يلبس شكل الذم كماهو يوسف الخال لما رفض رفاقه لانهم ليس على شاكلة مايجب.
*
أيها الشعراء ابتعدوا عني
لا ترثوا أحداً غلبه الموت.
فماذا ينفع الرثاء ؟
الرثاء للصعاليك ونحن جبابرة
*
نرى ان الاغراض تنتمي للمكان فالغرض يعتمد على مناخ الحدث حيث النزعات المتعددة للفكر والروح فليس من الضروري ان تتشابه أغراض العراقي مع الشاعر السوري ولكن ليس من باب القطيعة فلا نجد عاملا مشتركا لهما فكما ذكرت في ان العامل السياسي له دور كبير في حركتنا الثقافية , كما تميزت اغراض الهجاء.
*
ولكن من باب الاستخدام الامثل فنعت المكان ومهاجمة الدهر في الشعر القديم كان يمثل رمزية يستخدمها الشعراء انذاك في العصر الاموي والعباسي لمهاجمة الحكام وهجائهم بهذه الطريقة خوفا على حياتهم والان تغيرت الطريقة بعض الشيء لان الاشارة الى المجرمين والقتلة لم تعد بحاجة للرمزية واحيانا يوجب تركها لعفونة الاسماء التي قد تسيء للشعر حين تذكر ,الهجاء أخذ من المدارس الحديثة شكل الصورة وهنا يصدر الشاعر صورة سالبة ونقدية لظواهر المجتمع فيهجو باساليب منفردة لان طريقة المباشرة قد اختفت تدريجيا وباتت رخيصة ولان التذمر وعدم الرضا مرتبطا باتجاه وميل خاص أصبح المنتوج الادبي ذو أبواب متعددة وكثيرة وكون العصر يتقبل الحداثة على كافة الاصعدة ومنها الصعيد الثقافي فقد رفض أحادية اللغة والاتجاه بل هي مخاض مراحل متعاقبة تهدف الى الوصول المنسق لطبيعة مرحلة بعينها حيث البقاء على روحية الامس اصبح من العسير تقبلها ولكن ليس على حساب الثوابت وهذا مايتفق عليه اصحاب الفكر لا كما يدعي الانفلاتيون وهم فئات لهم رمزيتهم واتجاههم الخاص ومن يتأمل سيف الرحبي بهذه المقاطع القصيرة يستطيع قراءة الحدث بشكل غير معقد ولا مبالغ فيه يجد الشعرية والصورة والغرض معا:
*
تتغلغل الحرب في أحشاء النهر
وأعماق الفسيل
ولا جبالَ تشهد على مرور العابرين
من غير أثر
والمؤرّخون كذَبَة
*
الكتابة فن لم يعد مرتبطا بالتسميات التي جعلت منه يتحرر بسبب تقييد المخيلة وانحباس المعنى في داخل الاطارات المفروضة من أدب وتجارب الاولين وماحدث في اوربا من نقلة عملاقة في كتابة الشعر , لما دخلت الكتابة طورا جديدا في عصر ماقبل النهضة وما بعدها حيث ظهرت الطريقة المنفتحة والغير مرتبطة بشيء سوى الأدب ووجه الأدب حتى يكون الاقتراب من الناس ليس بحاجة لجواز مرور او طقوس مرسومة تجعل من حركة التقبل مرهونة بما لادخل له بالحرفة , وهنا حدث الشيء نفسه ولكن بطريقة بطيئة جدا فالتقاليد هنا صارمة ومرتبطة بالاهواء واصحاب المهن او الحرف الادبية الم تفتح لنا الحداثة باب الناقد القاريء وقت انحصرت كتابة النقد حتى زمن قريب باسماء لا غيرها , الحياة آخذة بالتطور والكتابة احد اهم اجزاء الحياة . وتمثل كتابة الشعر من أهم أشكال الكتابة أو احد اهم انواعها او الابن الاكثر تميزا للكتابة كونه يمثل المواجهة الحقيقية بين اقطاب الحياة التي ليس من الضروري ان تكون متنافرة وهذه الاقطاب هي اركان الحياة وبحبسب الاتجاه الذي يتناوله الطرح الشعري , ويعد الغرض الشعري من اهم ما يميز النص عن سواه فنرى النص الحديث يرتبط بمكونات الحياة الحالية لينقل لنا عاداتنا والامنا بشكل عفوي أليس كل ما في هذه الحياة مخض تجربة فلم لاتقبل عملية الانقلاب في كتابة الشعر وماحصل من هجوم على شعر التفعيلة هل اوقف الزحف حتى بلغنا كتابة شعر النثر وما تلته من تجارب , البعض يثور كون التجربة ليست عربية او مسروقة من فكر غربي القول هنا حتى تجارب الاولين كانتمتأثرة بمن سبقوهم لان الشعر موجود قبل وجود العرب أصلا , والذين كتبوا النثر لم يتخلوا عن تراثهم فنجد الوقائع التأريخية منقوشة والاسماء لها عناونها الكبيرة.
ما حدث من عملية استئصال يهدف منه البقاء على قيد الحياة ولست اقصد ان القديم سرطانا لا ولكن القصد يتضح من خلال الحركة البطيئة او الميتة لشعر الاوزان الفراهيدية وما حدث من تغير سريع على واقع شعر التفعيلة ماهو الا شاهد على الضرورة الملحة لان العصر يرفض الدكتاتوريات بكل اشكالها مادام هناك الطلب والرغبة في التجديد . ألم نرى كيف تدخل النص في حياة السينما والمسرح واصبح من اليسير اكتشاف الحوار الشعري كي يضفي روحا للعمل وكما استشف النص من صورة السينما اقتحم الحركة والتواجد المؤثر على الخشبة وكم هي النصوص الشعرية التي تحولت الى مسرحيات كبرى , ألم تدخل الحداثة في التفكير والكتابة معا ليخرج الشعور بشكل يثبت تواجده وحضوره .
يعزو البعض التغيير الحاصل في شكل الغرض الشعري كونه مرتبط بحركة الحياة كون الشاعر يكتب في كل الاتجاهات وليست له حدود فقد تتحول القصيدة من غرض الى غرض داخل البيت الواحد كما هي في نصوص شعراء التسعينات والشباب . ومثالا لهذا الجزء ماقاله أمجد ناصر