ومن كتاب النص الحديث الذي وان تنوعت اتجاهات كتابتهم ظلوا ينهلون من ذات العصر لانهم يكتبون له ولايكتبون للماضي كما يفعل المقلدين فلقد تميزت قصائد الجواهري كونها أتت من واقع ينتمي الشاعر له وليس من باب الكتابة على طريقة الاخرين , قد لانجد متنبيا يصف سيف الدولة او اي سيف موجود وذلك لسأم ملحوظ من الدماء والحروب والقتلى فنرى الشاعر يصف الحرب بقذارتها ورائحتها النتنة فليس من المجدي التغني بذكريات القتل والطحن في عصر شهد تحولات مثيرة لاتنتهي الا بمأساة وجوع وتشريد فطغت عناوين جديدة ابرزها شكوى الحال وتفرد ملفت للذات لما ينشر الشاعر أحاسيسه بشكل جديد كمن يكتب سيرة ذاتية بل ان نص النثر تميز بانه سيرة ذاتية لشاعر فلو تصفحنا مجاميع كتاب هذا النوع سنجد اغراض الشاعر ذاتية تنشر حالة خاصة ومنها التفرع الى واقع المكان حيث تبدو توزيع عملية الاغراض حالها حال توزيع الادوار فنرى الحنين الى المكان الاول واضحا من خلال رحلة بسيطة تنتقل فيها الذاكرة من مكان الى مكان وهي مق'cfمة قد تبدو طللية وهي ظاهرة برزت في قصيدة المغترب ( في شعر المهجر خاصة ) عل الشعر العربي يعيش ظروفا اخرى فقد برز شعر الداخل والخارج وهي ظاهرة فريدة تمتاز بها المجتمعات التي تعاني من الفقر والدكتاتوريات فنرى بروز النص الشامل ( وهي وجهة نظري ) كون مفردات وادوات النص وزمكنة الحدث تحتوي على انواع من اجناس الشعر. كان لظهور الرمز في الشعر الحديث ككل اي بعد شعر الوزن الخليلي دور في تسلط ثقافة الشاعر وبروز فكرة التأثير المباشر من خلال سبر اغوار النص وجعله مادة تاخذ من التاريخ لتطرح فكرة تهدف لغرض شعري الذي تغيرت ملامحه واصبح غرضا غير الذي كان يطرحه السابقون كونه يأتي من حدث وزمان ليتبلور داخل اللحمة الفنية الممتزجة داخل القصيدة وهذا نلمسه في اعمال السياب وجماعته اصحاب قصيدة التفعيلة أما جماعة قصيدة النثر أعادوا هيبة الاسطورة بعد ضمورها برحيل السياب واختفاء الجدية لدى كتاب مابعد جيل الستينات ,والشعراء الشباب الذي يتمتعون بثقافة جيدة وظفوا الاسطورة بقدرات استطاعت ان توصل معنى التوظيف وفائدته على خلق صورة ولكن تجارب الشباب بشكل عام لايمكن الاعتماد عليه كشاهد وذلك لسرعة التحولات التي تعيشها اعمالهم على عكس سابقيهم الذين امتازوا بوضوح ونضوج التجربة وان عانت اعمالهم الاخيرة من هبوط فني واضح , ويمكن ان تشاهد الوصف يتزحلق في داخل النص الحديث حين تبرز علة الأنا على حساب الكثير من الموجودات فتظهر فسيفساء غرضية تتنوع فيها الاطروحة لتتحد داخل وحدة الموضوع الامر الذي يجعل النص الحديث لايقل ديباجة عن النص القديم إن لم يتفوق عليه من حيث البناء المحكم واللغة السديدة التي تمنحه شرف البقاء على قيد المنافسة فالعملية خرجت من كونها توفر شروط معينة بذاتها لان الكثير من النصوص أضافت للشعر العربي أشياء كثيرة لايمكن تحديدها بالظبط لكن فقدانها في داخل الكتابة يؤثر عليها بالسلب لان روحية الكاتب تتجلى من خلال ابراز هويته النفسية التي تحمل روح العصر والمكان . وهنا تظهر قوة أدوات الشاعر ومدى تفوقه على الاتهام الموجه اليه.
*
في موكب التسمية
و الجحافل تسري أما المنصة،
وكل حيوان كالمستعرضين زوجان،
تقدمتَ الموكب من غير قرين،
والكل مكتمل مكتفٍ
يمشون بخطو واح،
قدتهم وحيداً كالقرن في وسط رأسك،
مهرولاً قلق الخطى
تفتش بالعينين بالنشيق،
على المتعذرة الوجود
*
حتى في جنة العلاء (توفيق صالح)
*
حياة الصحراوي مرتبطة بوجود الماء لذا كانت حياته سيرة متكاملة من العناء والحنين فهو ينشد للناقة ولبيته وهي امور متداخلة تكون المشهد الحياتي لنصه الشعري فهذا التراكم من العقبات والقلق الدائم صنع جنسا شعريا كتب له الخلود لحقيقة التجربة ووجود الشاعر والمتلقي في ان واحد .
وان اكتسب الشاعر اليوم صفة التنقل وتغيير الامكنة بحثا عن الامان وليس بحثا عن الماء فقط الذي هو رمز الحياة( القصد سياسي طبعا ) في كل عصر ولكن الانتاج هنا يتأثر باشياء كثيرة اهمها صدق او حقيقة تجربة المعاصر, تنوعت اغراض الشعر كي تكون ناقدة اجتماعيا او دالة حضارية على عيوب المجتمع وهذه بارزة بشكل لافت في اعمال الشباب الذين تحملوا اعباء التجربة واصبحوا من المدافعين عن بقائهم بضراوة وكما ذكرت سابقا من سلبيات الشباب انهم ركزوا على قضايا الجنس والاباحية على حساب الكثير من قضاياهم المعاصرة وهذا لايعني ان بعضهم شقوا طريقهم بثبات واسسوا مناخا جديدا لهم ولتجربتهم . كما انه لم يعد خافيا تسلط النص النثري على المشهد الشعري الحالي وبدات عملية انتشاره وان بنيت على فكرة تبني عشوائي وليس على مستوى رسمي فنجد ان الجهات الرسمية لاتهتم بحركة الادب قدر اهتمامها بالبوسترات واقامة الكرنفالات التي تمجد العوائل والاسماء على حساب الثقافة والانسان العربي الذي بدأ ياخذ خطوطا خطيرة في منهجه الحياتي لاتقل خطورة عن التطرف في كل شيء , لقد تبنى البعض عملية التصدي للركود فكان العمل الشعري عبارة عن قضية انسانية يتبناها البعض للمضي بفكرة عصرية قد يكون تجاهلها عبارة عن عمل مقصود لتجاوز جيل باجمعه , وقد تظهر عملية تطور الغرض الشعري على انه واجهة سياسية آنية يراد منها اظهار الرغبة في تغيير كل والفكرة وهما قد يظهران شكلا من اشكال التسلط .
*