في اليوم الثاني من نيسان (أبريل) الحالي تم في لندن العاصمة البريطانية انعقاد قمة مجموعة العشرين (G20)، في محاولة لكسر حالة الركود الاقتصادي التي يمر بها العالم بعد الأزمة المالية الكبرى التي حدثت أخيراً والخروج بتوصيات فاعلة للمرحلة المقبلة.
وعلى الرغم من انطلاق القمة وسط تحذيرات من كارثة إنسانية محققة وخلافات حادة وثقة مفقودة بين الدول الأعضاء الكبار المؤسسين، إلا أن مخرجات القمة وتوصياتها المعلنة جاءت إلى حد كبير متوافقة مع رغبة كافة الأعضاء، حيث تم إقرار ضخ نحو خمسة تريليونات دولار (خمسة آلاف مليار دولار) حتى نهاية العام من أجل تحريك عجلة الاقتصاد العالمي المتباطئة، إضافة إلى ضخ تريليون آخر من قبل المؤسسات الدولية كتمويل إضافي. كما أقرت القمة عدداً من الخطوات الإجرائية تهدف في مجملها إلى رفض الحمائية ووضع شروط للرقابة على المؤسسات المالية يمهد إلى ظهور نظام عالمي جديد يحقق الاستقرار المالي العالمي لجميع دول العالم!!
ومع كل هذا الكم من النتائج غير المتوقعة ونسبة التفاؤل العالية التي أسفرت عنها قمة مجموعة العشرين في بيانها الختامي، يتبادر إلى ذهن (المواطن العادي) مجموعة من التساؤلات تحتاج إلى توضيح:
o من الدول التي تضمها هذه المجموعة الاقتصادية العالمية؟
o هل كانت هناك مشاركة للتجمعات الدولية الأخرى من فعاليات هذا المنتدى؟
o ما مدى الثقل الاقتصادي لمجموعة العشرين على الساحة الدولية؟
o والتساؤل الأخير : القمة الحالية تضم أعضاء الدول المنضمة تحت مظلة مجموعة الدول العشرين ودول الاتحاد الأوروبي، فأين دور باقي دول المجتمع الدولي؟
بداية نشير إلى أن مجموعة العشرين ما هي إلا "منتدى دولي" وقد تأسست في لندن أيضاً عام 1999م عقب الأزمة المالية الآسيوية، ويتألف من مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى (G7) وتضم كما هو معلوم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والدول الأوروبية الأربع : ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا إضافة إلى عملاق آسيا : اليابان. أما باقي المجموعة فهي من الدول الصاعدة والناشئة التي فرضت تواجدها على الساحة الاقتصادية الدولية خلال السنوات العشر الماضية وهي تحديداً : المملكة العربية السعودية، روسيا، الصين، الهند، كوريا الجنوبية، إندونيسيا، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، تركيا، أستراليا، جنوب إفريقيا، ودولة التشيك. وجميع هذه الدول تشارك في فعاليات المنتدى بصفتها الشخصية باستثناء التشيك التي تشارك في قمة 2009م ممثلة للاتحاد الأوروبي الذي تتولى رئاسته في الدورة الحالية.
وتجدر الإشارة إلى أن من إيجابيات هذه القمة التي انعقدت هذا العام دعوة عدد من المنظمات الدولية الإقليمية للمشاركة، من أبرزها رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان)، والاتحاد الإفريقي، والشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا، وبعض الشخصيات العامة الدولية كمراقبين، إضافة إلى ممثلي الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي المشاركين بصفة دائمة في هذه القمة.
من الناحية الاقتصادية فإن الدول السبع الصناعية - دون استثناء - مصنفة كدول تريليونية، أي يزيد فيها الناتج المحلي الإجمالي على ألف مليار دولار سنوياً، وبدخل مرتفع يزيد على 35 ألف دولار للفرد حسب تقديرات عام 2006 الأخيرة، ويقدر إجمالها نحو 28 تريليون دولار سنوياً. أما باقي أعضاء المجموعة فإن الدولة التريليونية الوحيدة بها هي الصين، وهي أيضاً مصنفة في المرتبة الرابعة Rank 4 عالمياً وبإجمالي محلي يزيد قليلاً على 2.6 مليار دولار سنوياً، كما أن هناك خمس دول أخرى من المجموعة مرشحة للدخول في نادي التريليون وهي : الهند، البرازيل، روسيا، كوريا الجنوبية والمكسيك، وباقي الدول من الدول ذات الدخل المتوسط وبناتج محلي إجمالي يراوح ما بين 480 مليون دولار 220 مليون دولار سنوياً. وفي كل الحالات فإن الإجمالي العام للناتج الوطني لهذه الدول الاثني عشرة مجتمعة يتجاوز 37 تريليون دولار سنوياً حسب تقديرات العام المشار إليه. وإذا ما تم إضافة الناتج المحلي الإجمالي لباقي دول الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تمثلهم دولة التشيك في القمة، فقد يصل الإجمالي إلى ما يزيد على 42 تريليون دولار سنوياً، أي نحو 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على المستوى العالمي، علماً بأن دول المجموعة تغطي 70 في المائة على الأقل من المساحة المأهولة للكرة الأرضية، ويسكنها - بعد انضمام الصين – 85 في المائة من إجمالي سكان العالم حالياً، وهو ما يؤكد مدى سيطرة قمة العشرين ديموجرافياً وقوتها اقتصادياً على العالم.
ولكن ماذا عن الأوضاع الاقتصادية للدول الأخرى غير المشاركة في قمة العشرين؟
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن عدد الدول المنضمة تحت جناحيها في الوضع الراهن 194 دولة ذات سيادة، وإذا ما تم استبعاد الدول المشاركة في القمة الحالية بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، فهذا يعني أن الدول غير المشاركة في القمة في حدود 160 دولة، ويمكن مجازاً أن يطلق عليها مجموعة المائة والستين G 160 وهي تشغل ما يزيد على 40 مليون كيلومتر مربع من سطح الأرض تضم دول إفريقيا باستثناء جنوب إفريقيا، وأجزاء كبيرة من قارتي آسيا وأمريكا اللاتينية وجزءا محدودا من قارة أوروبا. ويقدر عدد سكان مجموعة G160، حسب آخر تعداد معتمد نحو مليار نسمة غالبيتهم يعيش تحت خط الفقر في دول مصنفة اقتصادية بكونها دول ذات دخل منخفض.. ومع ذلك فهذه المجموعة تضم أيضاً دولاً ذات ثقل اقتصادي واجتماعي مؤثر في الساحة الدولية، نذكر منها دول مجلس التعاون الخليجي الخمس، ومصر كبرى الدول العربية والإفريقية، دول الشمال الأوروبي مثل السويد ولاتفيا، وليتوانيا، وبعض تجمع دول أوروبا الشرقية منها المجر والسلوفاك وصربيا، ومن أمريكا اللاتينية، فنزويلا والأوروجواي، إضافة إلى نمور آسيا الصاعدة، سنغافورة وماليزيا كمثال.
وفي الختام نشير إلى أن النظرة التفاؤلية التي صاحبت قرارات قمة العشرين الأخيرة لحل الأزمة المالية العالمية الراهنة لا يمكن أن يكون لها مردود إيجابي ما لم يتم إشراك مجموعة المائة والستين بفعالية في إدارة الأزمة من أجل استقرار النظام العالمي الجديد. وأن تعمل دول قمة العشرين والمنظمات الدولية على سرعة توفير السيولة الكافية للمؤسسات المالية في دول مجموعة المائة والستين لتعمل على تنمية مواردها الاقتصادية الطبيعية لتكون قوة اقتصادية مؤثرة وليست مجرد مجموعة (افتراضية) ليس لها وجود حقيقي على الخريطة الدولية