[b]الأزمة المالية.. الأسباب والتداعيات
في ليلتي الأحد والاثنين (14 - 15 سبتمبر 2008)، أعلن عن إفلاس مصرف الأعمال الأميركي «ليمان براذرز» وعن بيع «ميريل لينش» لمنافسه «بنك أميركا» مقابل 50 مليون دولار.. كما عملت «أميركان إنترناشيونال كروب» (AIG)، أكبر شركة تأمين في العالم، بشكل محموم على الحصول على 40 مليار دولار لعدم الانهيار، وأعلنت عشرة مصارف، بما فيها «اتحاد المصارف السويسرية» (UBS) وكريدي سويس، عن إنشاء «صندوق للتضامن» بقيمة 70 مليار دولار يمكن لكل واحد منها سحب 20 مليون دولار منه في حالة الطوارئ. وكانت تلك نواة الأزمة المالية، فكانت البداية في «وول ستريت» حينما أعلن «ليمان براذرز» عن إفلاسه الوقائي، وهذه كانت بداية رمزية خطرة، لأن هذه المؤسسة العريقة كانت من الشركات القليلة التي نجت من مذبحة الكساد الكبير في عام 1929، وتعتبر من أقدم المؤسسات المالية الأميركية، التي تأسست في القرن التاسع عشر، وهذا ما أكّد تنبُّؤات ألان غرسيبان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي السابق، بأن مؤسسات مالية كُبرى جديدة ستسير على درب «ليمان براذرز».
أسباب الأزمة وتداعيتها
شهد العالم سلسلة من الأزمات الدورية طيلة المائتي سنة الماضية، بعد كل من أزمات 1876 و1929 و1971 و1997 - 1998 و2001، حيث كان النظام العالمي يعايِن الدورة التقليدية (انتعاش-ركود-انتعاش)، ويثبّت أقدامه بعدها بشكل ما..
أما أسباب الأزمة الحالية فبعضها مباشر يتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي الأميركي منذ فترة طويلة وحتى الآن، وتتجلى في أن تلك الأزمة الرّاهنة قد لا تشبه تماماً الأزمات السابقة، حيث بدأت الولايات المتحدة في سبعينيات القرن العشرين في عملية «لا تصنيع» أو نزع التصنيع (deindustrialization)، انتقلت بموجبها من الاعتماد على الأسواق المحلية (القومية) إلى الشكل المُتعولم الحالي من العولمة عبر نقل الصناعات الثقيلة الملوّثة إلى الصين والهند وغيرهما. وترافق ذلك مع تحرير أسواق المال ونزع كل القيود المنظَمة لها، مما أدّى إلى هجرة جماعية للرساميل إلى «الجنّات الآسيوية» وأيضاً إلى تقسيم عمل دولي جديد: التكنولوجيا المتطورة والبحث والتطوير والسلع «الخاصة» (الخدمات المالية) في المراكز الرأسمالية، والعمليات الصناعية التقليدية في الأطراف.
الأزمة تعد مرحلة حتمية لم يتفاجأ المراقبون الماليون والاقتصاديون بها، حيث كانت هناك أحداث تدل على ضرورة وقوعها.. ففي فبراير 2007 شهدت الولايات المتحدة ارتفاعًا كبيرًا في عدم قُدرة المقترضين على دفع مستحقات قروض الرهن العقاري، مما أدّى إلى أولى عمليات إفلاس مؤسسات مصرفية متخصصة.. وفي يونيو 2007 تكبد مصرف الاستثمار الأميركي Bear Stearns من خسائر قروض الرهن العقاري. وفي يوليو 2008 اشتد الضغط على مؤسستي Freddie Mac وFannie Mae الأميركيتين المتخصصتين في إعادة تمويل القروض العقارية، والخزينة الأميركية تُعلن عن خطّة لإنقاذ القطاع العقاري.
أما الأسباب غير مباشرة فتمثلت في انشغال الإدارة الأميركية بالسياسات الخارجية والهيمنة العدوانية، وإهمالها للوضع الداخلي، وتوظيف الموارد الاقتصادية الأميركية بما يخدم سياساتها وهيمنتها الخارجية وذلك على حساب إهمال المراقبة والمتابعة لأحوال الأوضاع الداخلية المالية والاقتصاية.
ومن الجدير بالذكر أن تلك الأزمة ستؤدي إلى تغيير الطريقة التي تعمل بها البنوك والمؤسسات المالية الأميركية، فستصبح هناك ضرورة لوضع ضوابط أكبر على عمليات الإقراض العقاري، وعلى عمليات بيع القروض بين البنوك كأصول مستثمرة، كما أنه لابد من تصحيح هامش الإقراض العقاري مع تغير قيمة العقار في السوق.
كما ستؤدي إلى إقامة إطار عام دولي جديد لتنظيم الأسواق المالية حتى لا يكون الاقتصاد العالمي ضحية لمشكلات أميركية، ويتوقع أن يقوم هذا النظام النقدي الدولي الجديد على دور أوروبي وآسيوي أكبر ودور أميركي أقل.
وتعد الأزمة المالية الراهنة هي الأخطر منذ 50 عامًا، وعلى الأرجح منذ قرن، حيث إن حل هذه المشكلة ما زال صعبًا إن لم يكن مستحيلاً. وهذا ما أكده غرينسبن الرئيس اللامع للبنك المركزي الأميركي طوال 19عامًا (حتى 2006) حيث قال «لا شك في أنني لم أواجه أمرًا مماثلاً، وهو لم ينته بعد، والأزمة ستستغرق مزيدًا من الوقت».
[/size][/b]