كل علم يقوم على مجموعة من الحقائق والمسلمات والتمويل مثله مثل سائر العلوم يقوم على عشرة حقائق وهي لا تحتاج لفهمها ان نكون ملمين بالتمويل ولكن نفهمها لنفهم التمويل ، وبالرغم من ان هذه الحقائق تبدو للوهلة الأولى بسيطة إلا انها تشكل الأساس الفكري الذي يقوم عليه التمويل ، وسوف اقوم لاحقا باستعراض بعض التقنيات والأفكار وبذلك نسلط الضوء على منطق الممارسة في الإدارة المالية .
1- المعاوضة بين الخطر والعائد – لن نأخذ خطرا اضافيا ما لم نتوقع التعويض بعائد اضافي: جميعنا نقوم احيانا بتوفير بعض النقود ، لماذا نقوم بذلك ؟ الجواب ببساطة : لتوسيع فرص الاستهلاك بالمستقبل . نحن قادرين على استثمار هذه المدخرات وربح عائد على هذه النقود ، وذلك بإقراضها لبعض الناس الذين لا يريدون تأجيل استهلاكهم للمستقبل بل يريدون الاستهلاك الآن بشكل أكبر .
وربما يريدون الاقتراض لفتح عمل جديد أو نقرضها لبعض الشركات التي تريد سيولة لفتح مشاريع جديدة . السؤال الآن: كيف نقرر اين نضع نقودنا ؟ المستثمرين يطلبون عائد كافي ليكون اكبر من معدل التضخم وهو احد اشكال الخطر (التضخم هو تناقص القيمة الشرائية للنقد مع الزمن ، اي ماتستطيع شراؤه الليرة اليوم لاتستطيع شراؤه غدا ) فإذا لم يحصلوا على هذا العائد فإنهم يلجأون لشراء سلع لها قيمة في المستقبل كالذهب والعقارات .
او يختار المستثمرون ان يضعوا نقودهم في استثمارات خطرة ، لأن هذه الاستثمارات تقدم عائد متوقع عالي . أي كلما زاد الخطر كلما زاد العائد المتوقع . وهذه العلاقة بين الخطر والعائد هي الفكرة الرئيسية لتقدير قيمة الأسهم والسندات وكل المشاريع الأخرى . وهناك طرق لقياس كمية الخطر سنتطرق لها لاحقا.
2- قيمة الزمن المالية: الفكرة الرئيسة في التمويل هي ان للزمن قيمة مالية مرتبطة به ، بعبارة أخرى الليرة التي نملكها اليوم تستحق اكثر من ليرة غدا . و السبب وراء ذلك اننا نستطيع ان نكسب فائدة على هذه النقود التي نملكها الان . وفي علم الاقتصاد فكرة قيمة الزمن المالية تأتي من كوننا نضحي بالفرص الاستثمارية التي يمكن ان نربح منها اليوم .
لقياس الثروة او القيمة ، نستخدم فكرة قيمة الزمن المالية بجلب الفوائد والتكاليف المستقبلية للمشروع الى الحاضر ، ثم نقارن ، اذا كانت الفوائد اكبر من التكاليف فالمشروع يقبل لأنه ينشأ قيمة ، واذا كان العكس فإنه لا ينشأ قيمة وبالتالي يرفض . ومن دون اخذ فكرة قيمة الزمن المالية في الحسبان من المستحيل علينا ان نقيم ارباح وتكاليف أي مشروع بطريقة صحيحة ومفيدة .
ولجلب ارباح وتكاليف المشروع الى الحاضر ، نفرض نسبة فائدة معينة تتناسب مع خطر المشروع (الحقيقة الأولى ) .
3- النقد – وليس الربح – هو المهم: نستخدم في قياس الثروة او القيمة السيولة النقدية Cash Flow وليس الربح المحاسبي Accounting Profit كأداة قياس . فعندما يكون لدينا سيولة نقدية نستطيع ان نستثمرها ونربح عليها فائدة . فعلينا التذكر ان السيولة النقدية Cash Flow وليس الربح هو ما تستطيع الشركة استثماره .
فيمكن ان نربح لكن ليس بالضرورة على شكل سيولة نقدية ، فالربح والسيولة النقدية(التدفق النقدي) CF يمكن ان لا يحدثا سوية . مثلا مصاريف رأس المال Capital Expenses مثل شراء معدات جديدة او بناء جديد ، تتعرض لتناقص في القيمة مع الزمن Depreciation وهذا التناقص او الاهتلاك السنوي يخصم من الربح ، ويعتبر الاهتلاك مصروف لكنه ليس نقدي أي انه يؤثر على الربح لكنه لا يؤثر على السيولة النقدية . من هذه النقطة تبرز اهمية التدفق النقدي.
Incremental Cash Flow . 4- التدفق النقدي الإضافي: اي كمية النقد التي تغير بالزيادة كمية السيولة الحالية . عند اتخاذ قرارات في العمل نكون مهتمين بنتيجة هذه القرارات . ماذا سيحدث لو قلنا نعم مقابل ماذا سيحدث لو قلنا لا ؟ الحقيقة الثالثة تنص على اننا يجب ان نستخدم التدفق النقدي لقياس الفوائد التي تتراكم من جراء اخذنا لمشروع جديد .
فالتدفق النقدي الاضافي : هو الفرق بين التدفق النقدي اذا اخذنا المشروع وبين التدفق النقدي اذا لم نأخذ المشروع. فإذا كان الفرق موجب فيتم قبول المشروع لوجود تدفق نقدي اضافي ، واذا كان الفرق صفر اوسالب يرفض المشروع لأنه لا يخلق تدفق نقدي اضافي . اذا شاهدنا لتقرير ما اذا كان هذا المشروع يحقق تدفق نقدي اضافي ان ننظر للشركة مع وبدون المشروع ، ونقارن الوضعين.
5- لعنة الاسواق التنافسية – لماذا من الصعب ايجاد مشاريع مربحة بشكل استثنائي؟ : مهمتنا كمدراء ماليين خلق الثروة لهذا ننظر بقرب الى آليات تقييم وصنع القرار . نحن نركز على تثمين التفق النقدي وتحديد ما يربحه الاستثمار ونثمن المشاريع الجديدة . لكن من السهل تقييم وتثمين المشاريع المربحة ، لكن من الصعب ايجادها . ومفتاح تحديد الاستثمارات المربحة هو : فهم كيف واين توجد هذه المشاريع في الاسواق التنافسية.
بعد ذلك تقوم الشركة وفقا لرؤيتها بالإستفادة من بعض النواقص والعيوب في هذه الاسواق . لكن اذا استطاع قطاع ما تحقيق ارباح كبيرة سرعان ما يدخل منافسون جدد الى هذا القطاع ونتيجة لتزايد عددهم والمنافسة الشديدة بينهم ، تعود الأرباح الى مستواها الطبيعي .
كما حدث في سوريا في قطاع الموبايل والكمبيوتر أو المطاعم الدمشقية القديمة على سبيل المثال.
6- فعالية اسواق رأس المال – الاسواق سريعة والاسعار صحيحة: الأسواق الفعالة او النشيطة Efficient Markets هي الاسواق التي تكون فيها قيمة الاصول والأوراق المالية في أي لحظة من الزمن تعكس وبشكل كامل كل المعلومات المتاحة . و سأتطرق لهذه الفكرة بشيء من التفصيل لاحقا .
7- مشكلة الوكالة Agency Problem – المدراء لا يعملون لمصلحة المالكين مالم يكن هذا يصب في مصلحتهم: تنشأ هذه المشكلة من الفصل بين الادارة وملكية الشركة . بعبارة أخرى : ماهو جيد للمالكين ينبغي ان يكون جيدا للمدراء أيضا ، فإن لم يكن كذلك فإن المدراء سيتخذون قرارات تصب في مصلحتهم ، دون النظر لمصلحة المالكين . ( المالكين هم حملة الاسهم ).
8- تأثير الضرائب على اتخاذ قرارات العمل: للضرائب تأثير على قرار الشركة بشأن قبول مشروع أو رفضه على مستويين: المكان والنوعية ؛ فمن حيث المكان توجد بلدان الضرائب فيها مرتفعة وهذا شيء سلبي وهناك بلدان فيها الضرائب منخفضة ، ونفس الشيء بالنسبة لنوعية المشروع.
9- الأخطار ليست كلها متساوية- بعض الاخطار يمكن القضاء عليها والبعض الآخر لا: يوجد نوعين من الخطر : خطر ناشئ من عوامل خارجة عن السيطرة وتؤثر على كل السوق كإرتفاع معدلات الفائدة مثلا ، هذا النوع لايمكن التخلص منه . النوع الثاني : خطر ناجم عن عوامل يمكن السيطرة عليها تؤثر على قطاع صغير من السوق وهذا النوع يمكن التخلص منه .
حيث يمكن إزالة الخطر بالإستثمار في عدة مشاريع Diversification وليس في مشروع واحد . وهذا ماتعبر عنه الحكمة الشهيرة : لا تضع كل البيض في سلة واحدة . فخطر المشروع يعتمد على ما إذا كنا ننظر إليه بمفرده ، أو ضمن حزمة من المشاريع ، المشروع الذي يبدو خطيرا لوحده ، قد لايبدو كذلك ضمن حزمة من المشاريع .
10- السلوك الأخلاقي أساسي ، والمشاكل الأخلاقية في كل مكان في التمويل: بالرغم من أن أخطاء العمل يمكن أن تغتفر إلا أن الأخطاء الأخلاقية تؤدي إلى توقف الأعمال وانهاء كل فرص العمل المستقبلية . لماذا ؟؟ لأن السلوك غير الأخلاقي يقضي على الثقة وبدون الثقة لا يمكن أن تقوم للأعمال قائمة . ومن أكثر الأشياء ضررا للعمل هو فقدان المصداقية ضمن المعايير الأخلاقية المعتمدة في السوق